فصل: ما وقع من أحداث سنة تسع وتسعين وستمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء (نسخة منقحة)



.ما وقع من أحداث سنة ثمان وتسعين وستمائة:

ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وستمائة:
ذكر قتل الملك المنصور حسام الدين لاجين صاحب مصر والشام:
في هذه السنة، وثب على لاجين المذكور جماعة من المماليك الصبيان، الذين اصطفاهم لنفسه، ليلة الجمعة حادي عشر ربيع الآخر، في أوائل الليل، فقتلوه وهو يلعب بالشطرنج، وأول من ضربه شخص منهم يقال له سيف الدين كرجي، بالسيف، وضربه الباقون بعده، حتى قتلوا لاجين المذكور، وطلعوا ليقتلوا مملوكه ونائبه منكوتمر، فاستجار بسيف الدين طغجي الأشرفي، وكان طغجي مقدم هؤلاء المماليك الذين قتلوا لاجين، فأجاره طغجي وبعث بمنكوتمر المذكور إلى الجب، فحبسه فيه، ثم بعد استقراره في الجب توجه كرجي ومعه جماعة فأخرجوا منكوتمر وذبحوه على رأس الجب، ولما أصبح الصباح عن ذلك، جلس طغجي في موضع النيابة وأمر ونهى، وهنالك جماعه من الأمراء أكبر منه، مثل الحسام أستاذ الدار، وسلار وبيبرس الجاشنكير، وغيرهم، فاتفقت آراؤهم على الوقيعة بطغجي، وإعادة الملك إلى مولانا السلطان الملك الناصر المقيم بالكرك، واتفق بعد ذلك وصول بعض العسكر المجردين على حلب، فوصل أمير سلاح، وغيره، وأشار الأمراء المذكورون على طغجي بالركوب، وتلقى أمير سلاح، فامتنع، وعاودوه فأجاب، وركب طغجي من قلعة الجبل، وجعل نائبه بها كرجي الذي قتل لاجين، فعندما اجتمعت الأمراء بالأمير سلاح، تحدثوا فيما فعله الصبيان من قتل السلطان، وأنكرت الأمراء وقوع مثل ذلك، وقالوا إن طغجي هو الذي فعل ذلك، فحطوا عليه بالسيوف، وهرب منهم، فأدركوه وقتلوه، وقصدوا كرجي بقلعة الجبل فهرب، واتبعوه فقتلوه أيضاً. وذلك في ربيع الآخر من هذه السنة، وكانت مدة مملكة حسام الدين لاجين، الملقب بالملك المنصور المذكور، سنتين وثلاثة أشهر.
عودة مولانا السلطان الملك الناصر إلى سلطنته:
وفي هذه السنة عاد مولانا السلطان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد ابن مولانا السلطان الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون إلى مملكته. فانه لما جرى ما ذكرناه من قتل لاجين، ثم قتل طغجي، اتفقت الأمراء على إعادة مولانا السلطان الملك الناصر إلى مملكته، فتوجه سيف الدين ابن الملك وعلم الدين الجاولي إلى الكرك، وأحضراه إلى الديار المصرية، فصعد إلى قلعة الجبل، واستقر على سرير ملكه في يوم السبت، رابع عشر جمادى الأولى من هذه السنة، أعني سنة ثمان وتسعين وستمائة، وهي سلطنته الثانية.
فلما استقر السلطان الملك الناصر بالقلعة، اتفق معه الأمراء على أن يكون سيف الدين سلار، نائب السلطنة، ويكون بيبرس الجاشنكير أستاذ الدار، وأن يكون بكتمر الجوكندار أمير جاندار. فلما استقر ذلك، فوض نيابة السلطنة بالشام إلى جمال الدين أقوش الأفرم، وأفرجوا عن شمس الدين قراسنقر من الاعتقال، وكان له فيه نحو سنة وشهرين، ثم بعثوا به إلى الصبيبة وكتب تقليد الملك المظفر محمود صاحب حماة ببلاده على عادته، وبعث به إليه في جمادى الأولى من هذه السنة.
ذكر تجريد العسكر الحموي إلى حلب:
وفي هذه السنة في رمضان، الموافق لحزيران من شهور الروم، جرد الملك المظفر عسكر حماة إلى حلب، بسبب حركة التتر إلى جهة الشام، فسرنا من حماة إلى المعرة، وورد كتاب سيف الدين بلبان الطباخي بتراخي الأخبار، فعدنا من المعرة إلى حماة، فورد كتابه بطلبنا، فأعادنا الملك المظفر من حماة في يوم وصولنا إليها، وهو يوم الأربعاء سابع عشر رمضان، وحزيران، فسرنا ودخلنا حلب في الثاني والعشرين من رمضان من هذه السنة، ثم أرسل الملك المظفر وطلبني من نائب السلطنة بمفردي، فأعطاني سيف الدين بلبان الطباخي دستوراً، فسرت إلى حماة إلى خدمة ابن عمي الملك المظفر، واستمر أخواي وغيرهما من الأمراء والعسكر مقيمين بحلب، وأقمت أنا عند الملك المظفر بحماة.
ذكر وفاة الملك المظفر صاحب حماة وخروج حماة حينئذ عن البيت التقوي الأيوبي:
وفي هذه السنة، أعني سنة ثمان وتسعين وستمائة، يوم الخميس الثاني والعشرين من ذي القعدة، توفي صاحب حماة، السلطان الملك المظفر، تقي الدين محمود ابن السلطان الملك المنصور ناصر الدين محمد ابن الملك تقي الدين عمر ابن شاهنشاه بن أيوب، رحمه الله تعالى، ومولده في ليلة الأحد خامس عشر المحرم سنة سبع وخمسين وستمائة، فيكون عمره إحدى وأربعين سنة وعشرة أشهر وسبعة أيام، وملك حماة من حين توفي والده في حادي عشر شوال سنة ثلاث وثمانين وستمائة، فيكون مدة ملكه خمس عشرة سنة وشهراً ويوماً واحداً، وكان مرضه حمى محرقة، وكان سبب ذلك مع فراغ العمر، أنه كان غاوياً برمي البندق، واتفق له فيه صروعات حسنة، فأراد أن يرمي النسر من طيور الواجب، فقصد جبل علاروز، وهو جبل مطل على قسطون، وكان ذلك في شدة الحر، وقتل حماراً وتركه على موضع بذلك الجبل، وعمل من أغصان الشجر كوخاً وكان يجلس في الكوخ وأنا معه، ومملوك له، ومن يشاهده في رمي البندق وكان يدخل إلى الكوخ في السحر ويظل فيه إلى الظهر، ولا يتكلم انتظاراً لنزول النسر على جيفة الحمار، وكنا نشم نتن تلك الجيفة، واتفق نزول النسر في تلك الحالة، ولم يقدر له رمية، ثم عدنا إلى حماة، فابتدأ بنا المرض، وبلغت الموت، وفي مدة مرضي، مرض الملك المظفر، وعادني وهو قد ابتدأ به المرض، ثم بعد بضع عشر يوماً توفي في التاريخ المذكور، وأنا منقطع عنه بسبب مرضي، وكذلك مرض المملوك الذي كان معنا بذلك المكان، وكان عسكر حماة بحلب على ما قد ذكرنا، وكان قد اتفق حضور الأمير صارم الدين أزبك المنصوري إلى حماة، بسبب تشويش زوجته، فلحق الملك المظفر قبل وفاته، كان حاضراً وفاته، وأما أخواي أسد الدين عمر، وبدر الدين حسن، ابنا الملك الأفضل، فإنهما حضرا إلى حماة من حلب بعد وفاة الملك المظفر، ولما اجتمع مذكورون، اختلفوا فيمن يكون صاحب حماة، ولم ينتظم في ذلك حال.
ذكر وصول قراسنقر إلى حماة الجوكندار إلى حماة نائباً بها:
ولما توفي الملك المظفر، كان قراسنقر قد أخرج من السجن، وأرسل إلى الصبيبة، وهي مكان وخم، فأرسل قراسنقر إلى الحكام بمصر يتضور من المقام بالصبيبة، فاتفق عند ذلك وصول الخبر إلى مصر بموت صاحب حماة، فأعطى قراسنقر نيابة السلطنة بحماة، وسار من الصبيبة ووصل إلى حماة، واستقر في النيابة، بها في أوائل ذي الحجة من هذه السنة، أعني سنة ثمان وتسعين وستمائة، ونزل بدار ملك المظفر صاحب حماة، وقمنا بوظائف خدمته وأخذ من تركة صاحب حماة ومنا أشياء كثيرة، حتى أجحف بنا، ووصلت المناشير من مصر إلى أمراء حماة وجندها باستقرارهم على ما بأيديهم من الإقطاعات، فاستمرينا على ما بأيدينا.
ذكر غير ذلك من الحوادث:
في هذه السنة، أرسل سيف الدين بلبان الطباخي عسكراً إلى ماردين، فنهبوا ربض ماردين، حتى نهبوا الجامع، وعملوا الأفعال الشنيعة، وذلك كان حجة لقازان في قصد البلاد على ما سنذكره.
وفيها توفي بدر الدين بيسري في محبسه من حين حبسه لاجين.
وفيها سار مولانا السلطان الملك الناصر من الديار المصرية بعساكر مصر إلى بلاد غزة، وأقام بها حتى خرجت هذه السنة، واتفق قراسنقر وأخواي، وأرسلوا معي قماشاً وخيلاً، من خيل الملك المظفر صاحب حماة. وقماشه، فسرت أنا وصارم الدين أزبك المنصوري الحموي، وقدمت ذلك لمولانا السلطان وهو نازل بالساحل، قرب عسقلان، فقبله وتصدق علي بخلعة وحياصة ذهب، ورسم بزيادة إقطاعي وإقطاع أخي بدر الدين حسن، فزادونا نقداً من ديوان حماة.
وفي هذه السنة توفي شمس الدين كربته، أحد المقدمين الذين دخلوا إلى بلاد سيس، وفتحوا ما تقدم ذكره.

.ما وقع من أحداث سنة تسع وتسعين وستمائة:

ثم دخلت سنة تسع وتسعين وستمائة:
ذكر المصاف العظيم الذي كان بين المصلين والتتر وهزيمة المسلمين واستيلاء التتر على الشام:
في هذه السنة سار قازان بن أرغون بجموع عظيمة من المغل والكرج والمزندة وغيرهم، وعبر الفرات ووصل بجموعه إلى حلب، ثم إلى حماة ثم سار ونزل على وادي مجمع المروج، وسارت العساكر الإسلامية صحبة مولانا السلطان الملك الناصر حتى وصلوا بظاهر حمص، ثم ساروا إلى جهة المجمع، وكان سلار والجاشنكير هما المتغلبان على المملكة، فداخل الأمراء الطمع، ولم يكملوا عدة جندهم، فنقص العسكر كثيراً مع سوء التدبير، ونحو ذلك من الأمور الفاسدة التي أوجبت هزيمة العسكر، ثم ساروا والتقوا عند العصر من نهار الأربعاء، السابع والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة، الموافق للثالث والعشرين من كانون الأول من شهور الروم، بالقرب من مجمع المروج في شرقي حمص، على نحو نصف مرحلة من حمص، فولت ميمنة المسلمين، ثم الميسرة، وثبت القلب، واحتاطت به التتر وجرى بينهم قتال عظيم، وتأخر السلطان إلى جهة حمص حتى أدركه الليل، فولت العساكر الإسلامية تبتدر الطريق، وتمت بهم الهزيمة إلى ديار مصر المحروسة، وتبعهم التتر واستولوا على دمشق، وساقوا في إثر الجفال إلى غزة والقدس وبلاد الكرك، وكسبوا وغنموا من المسلمين الجفال شيئاً عظيمة.
ذكر المتجددات بعد الكسرة:
وكان قبجق وبكتمر السلحدار والبكي مع قازان، من حين هربوا من حمص على ما قدمنا ذكره في سنة سبع وتسعين وستمائة، فلما استولى قازان على دمشق، أخذ سيف الدين قبجق الأمان لأهل دمشق ولغيرهم، من قازان ملك التتر، واستولى قازان على مدينة دمشق، وعصت عليه القلعة، وأمر بحصارها، فحوصرت، وكان النائب بها الأمير سيف الدين أرحواش المنصوري، فقام في حفظها أتم قيام، وصبر على الحصار ولم يسلمها، وأحرق الدور التي حوالي القلعة والمدارس، فاحترقت دار السعادة التي كانت مقر نواب السلطنة، وكذلك احترق غيرها من الأماكن الجليلة، وأما عسكر مصر فإنهم لما وصلوا إلى مصر، رسم لهم بالنفقة، فأنفق فيهم أموال جليلة، وأصلحوا أحوالهم، وجددوا عدتهم وخيولهم، وأقام قازان بمرج دمشق المعروف بمرج الزنبقة، ثم عاد إلى بلاده الشرقية، وقرر في دمشق قبجق، وجرد صحبته عدة من المغل.
فلما بلغ العساكر المصرية مسير قازان عن الشام، خرجوا من مصر في العشر الأول من شهر رجب من هذه السنة، وخرج السلطان إلى الصالحية، ثم اتفق الحال على مقام السلطان بالديار المصرية، ومسير سلار، وبيبرس الجاشنكير بالعساكر إلى الشام، فسار المذكوران بالعساكر، وكان قبجق وبكتمر السلحدار، والألبكي، قد كاتبوا المسلمين في الباطن وصاروا معهم، فلما خرجت العساكر من مصر، هرب قبجق ومن معه من دمشق وفارقوا التتر، وساروا إلى جهة ديار مصر، وبلغ ذلك التتر المجردين بدمشق، فخافوا وساروا من وقتهم إلى البلاد الشرقية، وخلا الشام منهم، ووصل قبجق والألبكي وبكتمر السلحدار إلى الأبواب السلطانية، فأحسن إليهم سلطان، ووصل سلار وبيبرس الجاشنكير إلى دمشق، وقررا أمور الشام، ورتبا في نيابة السلطنة بدمشق الأمير جمال الدين أقوش الأفرم، على عادته، ورتبا قراسنقر في نيابة السلطنة بحلب بعد عزل سيف الدين بلبان الطباخي عنها، وإعطائه إقطاعاً بديار صر، ورتبا قطلوبك في نيابة السلطنة بالساحل والحصون، عوض سيف الدين كرد، إنه استشهد في الوقعة، ورتبا في نيابة السلطنة بحماة، الأمير زين الدين كتبغا المنصوري الذي كان سلطاناً، ثم خلع وأعطي صرخد، واستمر بصرخد حتى استولى قازان على الشام، ثم سار إلى مصر والتتر بالشام، ثم سار مع سلار والجاشنكير إلى الشام، فرتباه في نيابة السلطنة بحماة بعد قراسنقر، فسار كتبغا المذكور ووصل إلى حماة في الرابع والعشرين من شعبان من هذه السنة، أعني سنة تسع وتسعين وستمائة، واستقر بحماة وأقام بدار صاحب حماة الملك المظفر، وسار قراسنقر إلى حلب، ثم عاد سلار والجاشنكير بالعساكر إلى الديار المصرية.
ذكر غير ذلك من الحوادث:
في هذه السنة كان بين طقطغا بن منكوتمر، وبين نغيه، حروب كثيرة، قتل فيها نغيه، وقام مقامه ابنه جكا.
وفيها في مدة استيلاء التتر على الشام، استولى على حماة شخص من الرجالة الذين كانوا فيها لحفظ القلعة، يسمى عثمان السبيتاري، وحكم في البلد والقلعة، واستباح الحريم وأموال أهل حماة، وسفك دم جماعة منهم الفارس أرلندمشد حماة، وبعض أهل الباب الغربي، وكان يشارك عثمان المذكور في الحكم رفيقه إسماعيل، فغدر عثمان برفيقه إسماعيل وقتله، وانفرد عثمان بالحكم في حماة، وقيل إنه تلقب بالملك الرحيم، وبقي على تلك الحال إلى أن طلعت العساكر الإسلامية من مصر، واستولوا على الشام، وأرسلوا صارم الدين أزبك الحموي إلى حماة، ليكون فيها إلى أن يحضر إليها زين الدين كتبغا المنصوري النائب، فعصي عثمان المذكور بالقلعة المذكورة، ثم فارقه أصحابه وتخلوا عنه، وأمسك عثمان المذكور واعتقل، وكان المذكور من جندارية قراسنقر، فلما وصل قراسنقر إلى حماة متوجها إلى حلب، نزل على تل صفرون، وتسلم عثمان المذكور وأطلقه، فحضر أهل حماة وشكوا ما فعله فيهم عثمان المذكور، من نهب أموالهم، وهتك الحريم، وسفك الدماء، فتبرطل قراسنقر من عثمان المذكور ما أخذه من أموال أهل حماة، واستصحب عثمان معه وأحسن إليه، ومنع الناس حقهم، ولم يمكن أحداً منه بعد أن حكم القاضي بسفك دم عثمان المذكور، وبقي عثمان عند قراسنقر مكرماً إلى أن هرب قراسنقر إلى التتر، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
فاختفى عثمان المذكور ولم يظهر، وكان أصله من بلاد الشوبك، فلما تصدق علي السلطان بحماة، تتبعت عثمان المذكور وطلبته من نائب السلطنة بالشام، وهو المقر السيفي تنكيز، فأمسك عثمان المذكور من بلاد عجلون، وأرسله إلي معتقلاً إلى حماة، فضربت عنقه في سوق الخيل بحضرة العسكر، في يوم الاثنين رابع عشر شعبان سنة ست عشرة وسبعمائة.
وفيها لما وصل قازان بجموع المغل إلى الشام، طمع الأرمن في البلاد التي افتتحها المسلمون منهم، وعجز المسلمون عن حفظها، فتركها الذين بها من العسكر والرجالة وأخلوها، فاستولى الأرمن عليها، وارتجعوا حموص، وتل حمدون، وكوير، وسرفند كار، والنقير، وغيرها، ولم يبق مع المسلمين من جميع تلك القلاع غير قلعة حجر شغلان، واستولى الأرمن على غيرها من الحصون والبلاد التي كانت جنوبي نهر جيحان.
وفيها أو في السنة التي قبلها، لما ملك دندين بلاد الأرمن، أفرج عن أخيه هيتوم بن ليفون، وجعله الملك، وصار دندين بين يديه، وكان هيتوم قد بقي أعور من حين سمله أخوه سنباط، على ما قدمنا ذكره، واستمر هيتوم ودندين على ذلك مدة يسيرة، ثم غدر هيتوم بدندين وجازاه أقبح جزاء، وأراد القبض عليه، فهرب دندين إلى جهة قسطنطينية، واستقر هيتوم في مملكة سيس، ولما استقر هيتوم في مالك سير، كان لأخيه تروس الذي قتله أخوه سنباط على ما ذكرناه، ولد صغير، فأقام هيتوم المذكور، الصغير ذلك ابن تروس في الملك، وجعل هيتوم نفسه أتابكاً لذلك الصغير، وبقي كذلك حتى قتلهما برلغي مقدم المغل الذين ببلاد الروم، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.

.ما وقع من أحداث سنة سبعمائة:

ثم دخلت سنة سبعمائة.
ذكر مسير التتر إلى الشام ومسير السلطان والعساكر الإسلامية إلى العوجا ورجوعهم:
في هذه السنة عادت التتر قصد الشام، وعبروا الفرات في ربيع الآخر، وجفلت المسلمون منهم وخلت بلاد حلب، وسار قراسنقر بعسكر حلب إلى حماة، وبرز زين الدين كتبغا عساكر حماة إلى ظاهر حماة، في الثاني والعشرين من ربيع الآخر من هذه السنة، وسادس كانون الأول، وكذلك وصلت العساكر من دمشق واجتمعوا حماة، وأقامت التتر ببلاد سرمين، والمعرة، وتيزين، والعمق، وغيرها، ينهبون يقتلون، وسار السلطان بالعساكر الإسلامية ووصل إلى العوجا، واتفق في تلك المدة تدارك الأمطار إلى الغاية، واشتدت الوحول حتى انقطعت الطرقات، وتعذرت الأقوات، وعجزت العساكر عن المقام عن تلك الحال، فرحل السلطان والعساكر وعادوا إلى الديار المصرية. فوصل إليها في عاشر جمادى الأولى من هذه السنة، وأما التتر فانهم أقاموا يتنقلون في بلاد حلب نحو ثلاثة أشهر، ثم إن الله تعالى تدارك المسلمين بلطفه، ورد التتر على أعقابهم بقدرته، فعادوا إلى بلادهم وعبروا الفرات، أواخر جمادى الآخرة من هذه السنة، الموافق لأوائل آذار من شهور الروم، ورجع عسكر حلب مع قراسنقر إلى حلب، وتراجعت الجفال إلى أماكنهم.
ذكر غير ذلك من الحوادث:
في هذه السنة لما وردت الأخبار بعود التتر إلى الشام، استخرج عن غالب الأغنياء بمصر والشام ثلث أموالهم، لاستخدام المقاتلة.
وفيها لما خرجت العساكر من مصر، توفي سيف الدين بلبان الطباخي الذي كان نائباً بحلب، ودفن بأرض الرملة، وورثه السلطان بالولاء.
وفيها عزل كراي المنصوري الذي كان نائباً بصفد، وولى موضعه بتخاص.
وفيها عزل قطلوبك عن نيابة السلطنة بالحصون والسواحل، ونقل إلى دمشق، فصار من أكبر الأمراء بها، وولى موضعه على الحصون والسواحل سيف الدين أسندمر الكرجي.
وفيها التزمت الذمة بلبس الغيار، فلبس اليهود عمائم صفراء، والنصارى عمائم زرقاء، والسمرة عمائم حمراء.
وفيها وصلت رسل قازان ملك التتر، وكان مضمون رسالتهم التهديد والوعيد، فأعيد جوابه على مقتضى ذلك.
وفيها ولى البكئي الظاهري الذي قفز إلى التتر، وعاد على ما ذكرناه نيابة السلطنة بحمص، وكذلك أعطي قبجق الشوبك إقطاعاً، وأرسل إليها فأقام بها.
وفيها قتل جكا بن نغيه أخاه تكا.
وفيها جرى بين جكا ونائبه طنغوز قتال، فانتصر فيه طنغوز على جكا، ثم انتصر جكا، ثم استنجد طنغوز بطقطغا، فلم يكن لجكا به قبل فهرب إلى الأولاق، وأمسك جكا واعتقله بقلعة طرفو، ثم قتله وبعث برأسه إلى القرم، وصارت مملكة نغيه لطقطغا.